الفن كقوة ناعمة.. كيف يعيد تشكيل المجتمع في ظل رؤية السعودية 2030؟

فيصل الدخيل، كبير كتّاب المحتوى الإبداعي – شركة دينتسو في المملكة العربية السعودية، يستعرض الدور الفعال للفنون بوصفها أداة قوية لتعزيز الهوية الوطنية، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تحويل المملكة إلى وجهة ثقافية عالمية.

فيصل الدخيل، كبير كتّاب المحتوى الإبداعي؛ شركة دينتسوفيصل الدخيل، كبير كتّاب المحتوى الإبداعي؛ شركة دينتسو

يبرز الفن في ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها المملكة العربية السعودية على الصعيدين الثقافي والاجتماعي، كعنصر أساس في مسار التحوّل الذي تعيشه المملكة في ظل رؤية السعودية 2030. وتتجاوز هذه الرؤية الطموحة الأبعاد الاقتصادية لتشكّل دعوة للاحتفاء بالهوية الثقافية وتعزيز مكانة المملكة على الساحة العالمية من خلال تقديم مشاهد وأعمال فنيّة متنوّعة تعكس أصالة الثقافة السعودية وحيويتها.

من هنا تنبع أهمية الفن في هذا السياق، إذ لا يُنظر إليه كمجرد نشاط عادي، بل أداة قوية لتعزيز الهوية الوطنية، حيث تُعد الفنون بمختلف أشكالها، مثل الرسم والموسيقى والمسرح وغيرها، أدوات تعبيرية غنيّة يمكن من خلالها تجسيد تاريخ وثقافة أرض المملكة. لهذا، تسعى رؤية السعودية 2030 من خلال برامجها الطموحة إلى ربط الأجيال الجديدة بتراثهم الثقافي، إلى جانب تمكينهم من إعادة اكتشافه بطرق معاصرة تسهم في تطوير مهاراتهم الفنية، وتقديم أعمال إبداعية تعكس روح الأصالة والانتماء.

ولم تقتصر الرؤية على دعم الفنون من خلال برامج ثقافية فحسب، بل عمدت إلى إطلاق العديد من المبادرات التنموية التي تهدف إلى تحويل المملكة إلى وجهة ثقافية عالمية. وشملت هذه المبادرات إطلاق صندوق التنمية الثقافي الذي يهدف إلى تنمية القطاع الثقافي وتحقيق الاستدامة من خلال دعم النشاطات والمشاريع الثقافية. إضافة إلى ذلك، التعاون مع القطاع الخاص في إقامة العديد من المعارض والإقامات الفنية، وقد تم تخصيص موارد ضخمة للارتقاء بالمشهد الفني الوطني، بما يدعم الفنانين السعوديين، فضلاً عن تعزيز حضور الثقافة السعودية التي بدورها تسهم في تقوية اندماج الوافدين في ثقافة المملكة. والأهم من هذا تعزيز مكانة المملكة مركزاً ثقافياً عالمياً.

إضافة إلى ذلك، تم استحداث برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، وهو مبادرة تهدف إلى العناية بمكونات التراث الثقافي في المملكة والمتمثلة في الآثار والمتاحف، والتراث العمراني، والحرف والصناعات اليدوية.

في هذا الإطار، تم إطلاق مشاريع ثقافية رائدة تُجسّد هذا الاهتمام المتزايد بالتراث، من أبرزها مشروع الدرعية التاريخي الذي يتم تطويره ليصبح مركزاً ثقافياً وسياحياً عالمياً، حيث يضم المشروع أيضاً العديد من الفعاليات والمعارض الفنية، مثل «بينالي الدرعية» الذي يعرض أعمالاً معاصرة لفنانين سعوديين ودوليين، ويتيح للزوار فرصة فريدة للاستمتاع بمزيج من التاريخ والفن في مكانٍ واحد. يشكّل هذا المشروع نموذجاً حياً للتحوّل الثقافي الذي تشهده المملكة.

من جهة أخرى، تمثل رؤية السعودية 2030 التمكين الأمثل للشباب. ففي إطار الرؤية، أصبح للفنانين السعوديين اليوم الفرصة للتعبير عن أنفسهم من خلال مبادرات تعليمية متنوعة توفرها جهات، مثل وزارة الثقافة ومؤسسة مسك، وذلك عبر ورش عمل ودورات احترافية. هذه المبادرات لا تسهم في تطوير مهاراتهم الفنية وصقل مواهبهم وحسب، بل تمكّنهم من تعزيز مشاركتهم في الساحة الفنية العالمية، وتتيح لهم تقديم إبداعاتهم إلى جمهور أوسع محلياً ودولياً.

وفي إطار سعيها الدؤوب، تحتفي المملكة ممثلة بوزارة الثقافة في كل عام بعنصر مميز من العناصر الثقافية، حيث تهدف الوزارة إلى زيادة الوعي بهذه العناصر من خلال التعريف بقيمتها وأبعادها التاريخية. لذلك، تقرر تسمية عام 2025 بـ «عام الحرف اليدوية»، ترسيخاً لمكانة الحرف اليدوية كجزء من التراث الثقافي العريق، وتشجيع ممارستها، والمحافظة عليها، وجمع قصصها، وإبراز حضورها في حياتنا المعاصرة.

في الختام، يُعد الفن اليوم عنصراً محورياً في إطار رؤية السعودية 2030، حيث يشكل ركيزة أساسية في التحوّل الاجتماعي والاقتصادي الذي تشهده المملكة. ولم يعد فقط مجرد وسيلة للتعبير، بل أصبح أداة قوية ومؤثرة قادرة على إحداث تغيير حقيقي، من خلال قدرته الفائقة على تعزيز تبادل الثقافات، وفتح أبواب الابتكار، مساهماً بذلك في بناء جسور تواصل بين الأفراد والمجتمعات بأسلوب سلس.

OSZAR »